فصل: بَابُ مِيرَاثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ مِيرَاثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ:

(قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ): اعْلَمْ أَنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ هَذَا الْبَابَ قَبْلَ بَابِ الْوَلَاءِ وَزَعَمَ بَعْضُ الْفَرْضِيِّينَ أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ بَابَ الْوَلَاءِ لِأَنَّ مَوْلَى النِّعْمَةِ عَصَبَةٌ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ لَكِنَّا نَقُولُ إنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَحْكَامَ الْمِيرَاثِ بِالْقَرَابَةِ ثُمَّ يُرَتِّبَ عَلَيْهِ بَيَانَ الْمِيرَاثِ بِمَا أُقِيمَ مَقَامَ الْقَرَابَةِ أَوْ لَمَّا بَيَّنَ بَابَ الرَّدِّ وَكَانَ الرَّدُّ بِسَبَبِ الرَّحِمِ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِبَابِ مِيرَاثِ ذَوِي الْأَرْحَام؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ هُنَا بِالرَّحِمِ كَمَا أَنَّ هُنَاكَ بِالرَّحِمِ وَالْوَلَاءِ نَوْعَانِ وَلَاءُ عَتَاقَةٍ وَوَلَاءُ مُوَالَاةٍ وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ يَتَأَخَّرُ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَلِهَذَا قَدَّمَ هَذَا الْبَابَ ثُمَّ فِي تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَام اخْتِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ بَعْدَهُمْ فَمَنْ قَالَ بِتَوْرِيثِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ وَمُعَاذُ بْنُ جَبْلٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَمَنْ قَالَ بِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَلَكِنَّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ حُكِيَ أَنَّ الْمُعْتَضِدَ سَأَلَ أَبَا حَازِمٍ الْقَاضِيَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَجْمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَلَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ بِمُقَابَلَةِ إجْمَاعِهِمْ.
وَقَالَ الْمُعْتَضِدُ أَلَيْسَ إنَّهُ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَقَالَ كَلًّا وَقَدْ كَذَبَ مَنْ رَوَى ذَلِكَ عَنْهُمْ وَأَمَرَ الْمُعْتَضِدُ بِرَدِّ مَا كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مِمَّا أُخِذَ مِنْ تَرِكَةِ مَنْ كَانَ وَرِثَهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَقَدْ صَدَقَ أَبُو حَازِمٍ فِيمَا قَالَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَتَأَسَّفُ عَلَى شَيْءٍ كَتَأَسُّفِي عَلَى أَنِّي لَمْ أَسَلْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَلَاثٍ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ أَهُوَ فِينَا فَنَتَمَسَّكُ بِهِ أَمْ فِي غَيْرِنَا فَنُسَلِّمُ إلَيْهِ، وَعَنْ الْأَنْصَارِ هَلْ لَهُمْ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ شَيْءٌ وَعَنْ تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَام فَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا وَلَكِنِّي وَرَّثْتُهُمْ بِرَأْيِي.
وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ بَيْنَ التَّابِعِينَ فَمَنْ قَالَ بِتَوْرِيثِهِمْ شُرَيْحٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَمِمَّنْ قَالَ إنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ فَمِمَّنْ قَالَ بِتَوْرِيثِهِمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَعِيسَى بْنُ أَبَانَ وَأَهْلُ التَّنْزِيلِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَمِمَّنْ قَالَ لَا يَرِثُونَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ أَمَّا مَنْ نَفَى تَوْرِيثَهُمْ اسْتَدَلَّ بِآيَاتِ الْمَوَارِيثِ فَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا عَلَى بَيَانِ سَبَبِ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ وَالْعَصَبَاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ لِذَوِي الْأَرْحَام شَيْئًا وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَأَدْنَى مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ تَوْرِيثُ ذَوِي الْأَرْحَامِ زِيَادَةً عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ.
وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مِيرَاثِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ قَالَ: «نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَخْبَرَنِي أَنْ لَا مِيرَاثَ لِلْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى قُبَاءَ يَسْتَخِيرُ اللَّهَ تَعَالَى فِي مِيرَاثِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ أَنْ لَا مِيرَاثَ لَهُمَا» وَمَنْ قَالَ بِتَوْرِيثِهِمْ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} مَعْنَاهُ بَعْضُهُمْ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا إثْبَاتُ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْوَصْفِ الْعَامِّ وَأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْوَصْفِ الْعَامِّ وَالِاسْتِحْقَاقِ بِالْوَصْفِ الْخَاصِّ فَفِي حَقِّ مَنْ يَنْعَدِمُ فِيهِ الْوَصْفُ الْخَاصُّ يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْوَصْفِ الْعَامِّ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ زِيَادَةً عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ» وَلَمَّا مَاتَ ثَابِتُ بْنُ الدَّحْدَاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ الْمُنْقِرِيِّ «هَلْ تَعْرِفُونَ لَهُ فِيكُمْ شَيْئًا، فَقَالَ: إنَّهُ كَانَ فِينَا مَيِّتًا فَلَا نَعْرِفُ لَهُ فِينَا إلَّا ابْنُ أُخْتٍ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِيرَاثَهُ لِابْنِ أُخْتِهِ» أَيْ لِخَالِهِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُنْذِرِ وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ مِنْ نَفْيِ مِيرَاثِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فِي حَالِ وُجُودِ صَاحِبِ فَرْضٍ أَوْ عَصَبَةٍ وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِلْفَرِيقَيْنِ مِثْلُ الْكَلَامِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا ثَمَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ الْأَقَارِبُ الَّذِينَ لَا يَسْتَحِقُّونَ شَيْئًا بِالْفَرِيضَةِ وَالْعُصُوبَةِ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيمَنْ يَكُونُ مُقَدَّمًا مِنْهُمْ فَرَوَى عِيسَى بْنُ أَبَانَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجَدَّ أَبَ الْأَبِ مُقَدَّمٌ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ذَكَرَ أَنَّ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ يُقَدَّمُونَ عَلَى الْجَدِّ أَبِ الْأُمِّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ.
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمِيرَاثِ لِذَوِي الْأَرْحَامِ بِالرَّحِمِ فِي مَعْنَى الِاسْتِحْقَاقِ بِالْعُصُوبَةِ، وَلِهَذَا يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَيَسْتَحِقُّ الْأَقْرَبُ جَمِيعَ الْمَالِ وَفِي الْحَقِيقَةِ الْعُصُوبَةُ بِالْبُنُوَّةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُبُوَّةِ وَابْنُ الِابْنِ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ فَكَذَلِكَ فِي مَعْنَى الْعُصُوبَةِ يُقَدَّمُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ عَلَى الْجَدِّ أَبِي الْأُمِّ.
وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجَدَّ أَبَ الْأَبِ أَقْوَى سَبَبًا مِنْ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْأُنْثَى فِي دَرَجَتِهِ تَكُونُ صَاحِبَةَ فَرْضٍ وَهِيَ أُمُّ الْأُمِّ بِخِلَافِ الْأُنْثَى فِي دَرَجَةِ ابْنِ الْبِنْتِ، وَلِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَجْعَلُ الْأُنْثَى الَّتِي تُدْلِي بِالْجَدِّ أَبِ الْأُمِّ صَاحِبَةَ فَرْضٍ وَهِيَ أُمُّ أَبٍ لِأُمٍّ وَلَا يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَقِّ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ ثُمَّ الْجَدُّ أَبُ الْأُمِّ مُقَدَّمٌ عَلَى بَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَأَوْلَادِ الْأَخَوَاتِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ تُقَدَّمُ بَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَأَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ عَلَى الْجَدِّ أَبِ الْأُمِّ، وَهَذَا لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِي حَقِيقَةِ الْعُصُوبَةِ الْجَدُّ يُقَدَّمُ عَلَى الْإِخْوَةِ فَكَذَلِكَ فِي مَعْنَى الْعُصُوبَةِ يُقَدَّمُ الْجَدُّ عَلَى بَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَأَوْلَادِ الْأَخَوَاتِ وَعِنْدَهُمَا يُسَوَّى فِي حَقِيقَةِ الْعُصُوبَةِ بَيْنَ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ إلَّا أَنَّ هُنَا قَدَّمُوا بَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَأَوْلَادَ الْأَخَوَاتِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُدْلِي بِالْأَبِ وَالْجَدُّ أَبُ الْأُمِّ يُدْلِي بِالْأُمِّ فَفِي حَقِيقَةِ الْعُصُوبَةِ يُعْتَبَرُ الْإِدْلَاءُ بِالذَّكَرِ دُونَ الْأُنْثَى فَفِي مَعْنَى الْعُصُوبَةِ تَقَدَّمَ الْإِدْلَاءُ بِالْأَبِ عَلَى الْإِدْلَاءِ بِالْأُمِّ ثُمَّ الَّذِي يُوَرِّثُونَ ذَوِي الْأَرْحَامِ أَصْنَافٌ ثَلَاثَةٌ صِنْفٌ مِنْهُمْ يُسَمَّوْنَ أَهْلَ الْقَرَابَةِ وَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَعِيسَى بْنُ أَبَانَ وَإِنَّمَا سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يُقَدِّمُونَ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ وَصِنْفٌ مِنْهُمْ يُسَمَّوْنَ أَهْلَ التَّنْزِيلِ وَهُمْ عَلْقَمَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَمَسْرُوقٌ وَنُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ وَشَرِيكٌ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يُنْزِلُونَ الْمُدْلِيَ مَنْزِلَةَ الْمُدْلَى بِهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا تَرَكَ ابْنَةَ ابْنَةٍ وَابْنَةَ أُخْتٍ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ الْمَالُ لِابْنَةِ الْبِنْتِ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَرَكَ ابْنَةً وَأُخْتًا.
وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ يُسَمَّوْنَ أَهْلَ الرَّحِمِ مِنْهُمْ حَسَنُ بْنُ مُيَسَّرٍ وَنُوحُ بْنُ ذِرَاحٍ سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ سَوَّوْا بَيْنَ الْأَقْرَبِ وَالْأَبْعَدِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَثَبَتُوا الِاسْتِحْقَاقَ بِأَصْلِ الرَّحِمِ.
ثُمَّ كُلُّ فَرِيقٍ يَزْعُمُ أَنَّ مَذْهَبَهُ مُوَافِقٌ لِمَا نُقِلَ فِي الْبَابِ عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَالْمَنْقُولُ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي هَذَا الْبَابِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا- مَا ذَكَرَهُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ عَمَّةً وَخَالَةً أَنَّ الْمَالَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا الثُّلُثَانِ لِلْعَمَّةِ وَالثُّلُثُ لِلْخَالَةِ فَزَعَمَ أَهْلُ التَّنْزِيلِ أَنَّ ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِنَا؛ لِأَنَّ الْعَمَّةَ تُدْلِي بِالْأَبِ فَأَنْزَلَهَا مَنْزِلَةَ الْأَبِ وَالْخَالَةَ تُدْلِي بِالْأُمِّ فَأَنْزَلَهَا مَنْزِلَةَ الْأُمِّ قَالَ أَهْلُ الْقَرَابَةِ بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِنَا مِنْ اعْتِبَارِ الْقُرْبِ فَإِنَّ الْعَمَّةَ قَرَابَتُهَا قَرَابَةُ الْأَبِ وَالْأُبُوَّةُ تَسْتَحِقُّ بِالْفَرْضِيَّةِ وَبِالْعُصُوبَةِ جَمِيعًا وَالْخَالَةُ قَرَابَتُهَا قَرَابَةُ الْأُمِّ وَبِالْأُمُومَةِ تَسْتَحِقُّ الْفَرْضِيَّةَ دُونَ الْعُصُوبَةِ فَلِهَذَا جَعَلْنَا الْمُسْتَحَقَّ بِقَرَابَةِ الْأَبِ ضِعْفَ الْمُسْتَحَقَّ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي ابْنَةِ ابْنَةٍ وَابْنَةِ أُخْتٍ أَنَّ الْمَالَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ مِثْلُ مَذْهَبِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ ابْنَةَ الِابْنَةِ أَوْلَى مِنْ ابْنَةِ الْأُخْتِ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ كَمَذْهَبِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ.
وَجْهُ قَوْلِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ أَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالرَّأْيِ وَلَا نَصَّ هُنَا مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ لَهُمْ فَلَا طَرِيقَ سِوَى إقَامَةِ الْمُدْلِي مَقَامَ الْمُدْلَى بِهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ لِيَثْبُتَ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ بِالسَّبَبِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لِلْمُدْلَى بِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ وَلَدَ عَصَبَةٍ أَوْ صَاحِبَ فَرْضٍ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِعَصَبَةٍ وَلَا صَاحِبِ فَرْضٍ وَمَا كَانَ ذَلِكَ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْمُدْلَى بِهِ.
وَأَمَّا أَهْلُ الرَّحِمِ يَقُولُوا إنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَهُمْ بِالْوَصْفِ الْعَامِّ ثَابِتٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولُوا الْأَرْحَامِ} وَفِي هَذَا الْوَصْفِ، وَهُوَ الرَّحِمُ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ سَوَاءٌ.
وَأَمَّا وَجْهُ قَوْلِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ أَنَّ اسْتِحْقَاقَهُمْ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْعُصُوبَةِ، وَلِهَذَا يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَيَسْتَحِقُّ الْوَاحِدُ جَمِيعَ الْمَالِ ثُمَّ فِي حَقِيقَةِ الْعُصُوبَةِ تَارَةً تَكُونُ زِيَادَةُ الْقُرْبِ نُقْصَانَ دَرَجَةٍ يَعْنِي أَنْ يَكُونَ أَقْرَبَ بِدَرَجَةٍ وَتَارَةً بِقُوَّةِ السَّبَبِ، وَلِهَذَا قُدِّمَتْ الْبُنُوَّةُ فِي الْعُصُوبَةِ عَلَى الْأُبُوَّةِ فَكَذَلِكَ فِي مَعْنَى الْعُصُوبَةِ يَثْبُتُ التَّقْدِيمُ كَمَا يَثْبُتُ بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ وَوَلَدُ الِابْنَةِ أَقْوَى سَبَبًا مِنْ وَلَدِ الْأُخْتِ فَلِهَذَا كَانَ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ ثُمَّ الْقَوْلُ بِمَا قَالَ بِهِ أَهْلُ التَّنْزِيلِ يُؤَدِّي إلَى قَوْلٍ فَاحِشٍ، وَهُوَ حِرْمَانُ الْمُدْلِي بِكَوْنِ الْمُدْلَى بِهِ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحْرُومًا عَنْ الْمِيرَاثِ بِمَعْنًى غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ رِقُّ الْمُدْلَى بِهِ يُوجِبُ حِرْمَانَهُ لَكَانَ مَوْتُ الْمُدْلَى بِهِ مُوجِبًا حِرْمَانَهُ أَيْضًا، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فِي الْحَجْبِ وَالْحِرْمَانِ لَا يُعْتَبَرُ الْمُدْلَى بِهِ فَكَذَلِكَ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ لَا يُعْتَبَرُ الْمُدْلَى بِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ اسْتِحْقَاقُهُ بِاعْتِبَارِ وَصْفٍ فِيهِ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ وَلَكِنْ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ لِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْعُصُوبَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} ثُمَّ لَا خِلَافَ أَنَّ الرَّدَّ عَلَى أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ مُقَدَّمٌ عَلَى تَوْرِيثِ بَعْضِ الْأَرْحَامِ إلَّا شَيْءٌ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَدَّمَ ذَوِي الْأَرْحَامِ عَلَى الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اُعْتُبِرَ فِي حَقِّ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ الْوَصْفُ الْخَاصُّ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْوَصْفِ الْعَامِّ فِي مُقَابَلَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ بِالْوَصْفِ وَهُمْ ذَوُو الْأَرْحَامِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْوَصْفُ الْعَامُّ قَدْ اسْتَوَى فِيهِ الْفَرِيقَانِ وَيُرَجَّحُ أَصْحَابُ الْفَرَائِضِ بِاعْتِبَارِ قُوَّةِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِمْ بِالْوَصْفِ الْخَاصِّ فَيُقَدَّمُونَ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ فِي الْحَاصِلِ سَبْعَةُ أَصْنَافٍ صِنْفٌ مِنْهُمْ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ وَالصِّنْفُ الثَّانِي بَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَأَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ الْأَجْدَادُ الْفَوَاسِدُ وَالْجَدَّاتُ الْفَاسِدَاتُ وَالصِّنْفُ الرَّابِعُ الْعَمُّ لِأُمٍّ وَالْعَمَّةُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ وَالْخَالُ وَالْخَالَاتُ وَالصِّنْفُ الْخَامِسُ أَوْلَادُ هَؤُلَاءِ وَالصِّنْفُ السَّادِسُ أَعْمَامُ الْأَبِ لِأُمٍّ وَعَمَّاتُ الْأَبِ وَأَخْوَالُ الْأَبِ وَخَالَاتُ الْأَبِ وَالصِّنْفُ السَّابِعُ أَوْلَادُ هَؤُلَاءِ وَفِي كُلِّ ذَلِكَ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الدَّرَجَةِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا وَلَدَ صَاحِبِ فَرْضٍ أَوْ وَلَدَ عَصَبَةٍ وَالْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَوَلَدُ صَاحِبِ الْفَرْضِ وَالْعَصَبَةِ أَوْلَى، بَيَانُ ذَلِكَ فِي ابْنَةِ ابْنَةِ ابْنٍ مَعَ ابْنَةِ ابْنَةِ ابْنَةٍ فَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَةِ وَلَكِنَّ ابْنَةَ ابْنَةِ الِابْنِ وَلَدُ صَاحِبِ فَرْضٍ فَهِيَ أَوْلَى وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ ابْنَةَ ابْنَةِ أَخٍ وَابْنَةَ ابْنِ أَخٍ فَابْنَةُ ابْنِ الْأَخِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا وَلَدُ مَنْ هُوَ عَصَبَةٌ دُونَ الْأُخْرَى، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا وَلَدَ صَاحِبِ فَرْضٍ وَالْآخَرُ وَلَدُ عَصَبَةٍ فَهُمَا سَوَاءٌ كَابْنَةِ الْأَخِ مَعَ ابْنَةِ الْأُخْتِ فَإِنَّ إحْدَاهُمَا لَا تَصِيرُ مَحْجُوبَةً بِالْأُخْرَى.
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَقْرَبَ فَالْأَقْرَبُ أَوْلَى وَإِنْ كَانَتْ الْأَبْعَدُ وَلَدَ عَصَبَةٍ أَوْ صَاحِبَةَ فَرْضٍ كَابْنَةِ ابْنَةِ الِابْنَةِ مَعَ ابْنَةِ ابْنَةِ ابْنِ الِابْنِ فَإِنَّ ابْنَةَ ابْنَةِ الِابْنَةِ أَقْرَبُ بِدَرَجَةٍ فَهِيَ أَوْلَى اعْتِبَارًا بِحَقِيقَةِ الْعُصُوبَةِ، وَكَذَلِكَ ابْنَةُ ابْنَةِ الْأُخْتِ تَتَقَدَّمُ عَلَى ابْنَةِ ابْنِ ابْنِ الْأَخِ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ بِدَرَجَةٍ، وَفِي حَقِيقَةِ الْعُصُوبَةِ عِنْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الدَّرَجَةِ يُقَدَّمُ مَنْ هُوَ أَقْوَى سَبَبًا كَالْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ مَعَ الْأَخِ لِأَبٍ، وَعِنْدَ التَّفَاوُتِ فِي الدَّرَجَةِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ كَابْنِ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ مَعَ الْأَخِ لِأَبٍ فَكَذَلِكَ فِي مَعْنَى الْعُصُوبَةِ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي كَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ بَيْنَ ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فَكَانَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ أَوَّلًا يُعْتَبَرُ فِي الْقِسْمَةِ أَوَّلُ مَنْ يَقَعُ فِيهِ الْخِلَافُ إذَا اتَّفَقَتْ الْآبَاءُ وَالْأَجْدَادُ وَاخْتَلَفَتْ الْأَبْدَانُ فَالْقِسْمَةُ عَلَى الْأَبْدَانِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ اتَّفَقَتْ الْأَجْدَادُ وَاخْتَلَفَتْ الْآبَاءُ فَالْقِسْمَةُ عَلَى الْآبَاءِ ثُمَّ يُنْقَلُ نَصِيبُ كُلِّ ذَكَرٍ مِنْ الْآبَاءِ إلَى وَلَدِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَنَصِيبُ كُلِّ أُنْثَى إلَى وَلَدِهَا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَجْدَادُ يَقْسِمُ أَوَّلًا عَلَى الْأَجْدَادِ ثُمَّ يَجْمَعُ مَا خَصَّ الذُّكُورَ مِنْهُمْ فَيَقْسِمُ عَلَى أَوْلَادِهِمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صِفَاتُهُمْ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ يَجْمَعُ مَا خَصَّ الْإِنَاثَ فَيَقْسِمُ بَيْنَ أَوْلَادِهِنَّ كَذَلِكَ، وَهَكَذَا يَفْعَلُ فِي الْآبَاءِ مَعَ الْأَبْدَانِ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ، فَقَالَ: يُعْتَبَرُ فِي الْقِسْمَةِ أَبْدَانُهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى أَشْهَرُ فَقَدْ ذُكِرَتْ فِي الْفَرَائِضِ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ ذَلِكَ.
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ اتَّفَقُوا فِي الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ عَلَى أَنَّ لِلْعَمَّةِ الثُّلُثَيْنِ وَلِلْخَالَةِ الثُّلُثَ وَلَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْقِسْمَةِ الْأَبْدَانَ لَكَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَفِي اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمَالَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِسْمَةِ الْمُدْلَى بِهِ، وَهُوَ الْأَبُ وَالْأُمُّ، وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا وَلَدَ عَصَبَةٍ أَوْ صَاحِبَ فَرْضٍ كَانَ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا يُرَجَّحُ بِمَعْنَى فِي الْمُدْلَى بِهِ فَإِذَا كَانَ فِي الْحِرْمَانِ يُعْتَبَرُ الْمُدْلَى بِهِ فَفِي النُّقْصَانِ أَوْلَى فَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَوَّلُ مَنْ يَقَعُ بِهِ الْخِلَافُ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَدْ اسْتَوَيَا فِي الْأَبِ، وَهُوَ الْمَنْسُوبُ إلَى الْمَيِّتِ، وَفِي الْأَبْدَانِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، ثُمَّ اعْتَبَرْنَا مَنْ وَقَعَ بِهِ الْخِلَافُ فِي تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَدَدِ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ أَبْدَانُهُمْ دُونَ الْمُدْلَى بِهِ فَإِنَّهُ وَاحِدٌ، وَهَذَا لِأَنَّ عِلَّةَ الِاسْتِحْقَاقِ كَامِلَةٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ وَالْعِلَّةُ تَحْتَمِلُ الْعَدَدَ فَيُجْعَلُ الْأَصْلُ كَالْمُتَعَدِّدِ حُكْمًا بِتَعَدُّدِ الْفَرْعِ وَكَمَالِ الْعِلَّةِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ جَمَاعَةٍ قَتَلُوا رَجُلًا عَمْدًا يُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلًا عَلَى الْكَمَالِ وَالْمَقْتُولُ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا يُجْعَلُ مُتَعَدِّدًا حُكْمًا لِتَكَامُلِ الْعِلَّةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِخِلَافِ صِفَةِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فَالْمَوْجُودُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْفَرْعِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَالْمَوْجُودِ فِي الْأَصْلِ مَعَ تَحَقُّقِ ضِدِّهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا احْتِمَالَ لِذَلِكَ فَيُعْتَبَرُ مَا فِي الْأُصُولِ مِنْ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لِلْفُرُوعِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ قَدْ اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لِلْمَرْءِ فِي الْأَصْلِ إنَّمَا يَكُونُ بِمَعْنًى فِيهِ لَا بِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَالِاسْتِحْقَاقُ عِنْدَنَا بِاعْتِبَارِ الْقَرَابَةِ وَذَلِكَ مَعْنَى فِي أَبْدَانِهِمْ، وَقَدْ اتَّحَدَتْ الْجِهَةُ أَيْضًا وَهِيَ الْوَلَاءُ فَثَبَتَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمْ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الصِّفَةُ فِي الْمُدْلَى بِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي بَعْضِهِمْ صِفَةُ الرِّقِّ أَوْ الْكُفْرِ لَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ وَاعْتَبَرَ حَالَةَ الْأَبْدَانِ فِي هَذِهِ الصِّفَةِ فَكَذَلِكَ فِي صِفَةِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْعَدَدُ فَإِنَّ اعْتِبَارَ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِي مَعْنَى اعْتِبَارِ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ بِمَعْنَى اثْنَيْنِ فَكُلُّ أُنْثَى بِمَعْنَى وَاحِدٍ فَإِذَا كَانَ فِي الْعَدَدِ يُعْتَبَرُ الْأَبْدَانُ فَكَذَلِكَ فِي صِفَةِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فَالْجِهَةُ هُنَاكَ قَدْ اخْتَلَفَتْ؛ لِأَنَّ الْأُبُوَّةَ غَيْرُ الْأُمُومَةِ وَالِاسْتِحْقَاقُ بِالسَّبَبِ فَبِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ يَخْتَلِفُ السَّبَبُ مَعْنَى فَأَمَّا عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ يَكُونُ السَّبَبُ وَاحِدًا فَيَعْتَبِرُ فِي الصِّفَةِ الْأَبْدَانَ خَاصَّةً.
وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ وَلَدَ صَاحِبِ فَرْضٍ أَوْ عَصَبَةٍ فَالْفَرْضِيَّةُ وَالْعُصُوبَةُ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ وَعِنْدَ التَّفَاوُتِ بِالسَّبَبِ يُعْتَبَرُ الْمُدْلَى بِهِ فَلَا تُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي أَصْلِ النِّسْبَةِ إلَى الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ فِي الْأَنْسَابِ إذَا أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْأَبْدَانِ تُعْتَبَرُ الْأَبْدَانُ خَاصَّةً فِيمَا بَيْنَ الْأَوْلَادِ فَإِذَا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ ذَلِكَ يُعْتَبَرُ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْأَبْدَانِ.
إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَبْدَانُ وَاتَّفَقَتْ الْآبَاءُ فَصُورَتُهُ فِيمَا إذَا تَرَكَ ابْنَةَ بِنْتٍ وَابْنَ بِنْتٍ أُخْرَى فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمَالَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ بِاعْتِبَارِ الْمُدْلَى بِهِ، وَهَذَا غَلَطٌ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ أَهْلِ التَّنْزِيلِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ أَمَّا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الْمُعْتَبَرُ الْأَبْدَانُ هُنَا؛ لِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ وَقَعَ بِهِ الْخِلَافُ الْأَبْدَانُ فَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ أَبْدَانُهُمْ وَاخْتَلَفَتْ آبَاؤُهُمْ وَاتَّفَقَتْ أَجْدَادُهُمْ فَصُورَتُهُ فِيمَا إذَا تَرَكَ ابْنَةَ ابْنَةِ ابْنَةٍ وَابْنَ ابْنَةِ ابْنَةٍ وَابْنَةَ ابْنِ بِنْتٍ وَابْنَ ابْنِ بِنْتٍ فَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ الْمَالُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ ابْنَةٍ سَهْمٌ.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْقِسْمَةُ أَوَّلًا عَلَى الْآبَاءِ وَاثْنَانِ مِنْهُمْ ذَكَرَانِ يَعْنِي ابْنَةَ ابْنِ الِابْنَةِ وَابْنَ ابْنِ الِابْنَةِ وَاثْنَانِ مِنْهُمْ أُنْثَيَانِ فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ عَلَى سِتَّةٍ أَرْبَعَةٌ مِنْ ذَلِكَ لِلْبِنْتَيْنِ يُدْلِيَانِ بِالذَّكَرِ، ثُمَّ يَقْسِمُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَبْدَانِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أَثْلَاثًا فَانْكَسَرَ بِالْأَثْلَاثِ وَسَهْمَانِ لِلَّتَيْنِ تُدْلِيَانِ بِالْأُنْثَى، ثُمَّ يَقْسِمُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أَثْلَاثًا فَقَدْ وَقَعَ الْكَسْرُ بِالْأَثْلَاثِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَلَكِنَّ أَحَدَهُمَا يُجْزِئُ عَنْ الْآخَرِ فَتَضْرِبُ سِتَّةً فِي ثَلَاثَةٍ فَيَكُونُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ كَانَ لِلَّتَيْنِ تُدْلِيَانِ بِذَكَرٍ ثُلُثَانِ اثْنَا عَشَرَ سَهْمًا ثَمَانِيَةٌ لِابْنِ ابْنِ الْبِنْتِ وَأَرْبَعَةٌ لِابْنَةِ ابْنِ الْبِنْتِ، وَكَانَ لِلْآخَرَيْنِ الثُّلُثُ سِتَّةٌ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا أَرْبَعَةٌ لِابْنِ ابْنَةِ الِابْنَةِ وَسَهْمَانِ لِابْنَةِ ابْنَةِ الْبِنْتِ وَبَيْنَ هَذِهِ السِّهَامِ مُوَافَقَةٌ بِالنِّصْفِ فَاقْتَصَرَ عَلَى النِّصْفِ فَيَعُودُ إلَى تِسْعَةٍ فَالتَّخْرِيجُ كَمَا بَيَّنَّا فَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ أَبْدَانُهُمْ وَآبَاؤُهُمْ وَأَجْدَادُهُمْ فَصُورَتُهُ فِيمَا إذَا تَرَكَ ابْنَةَ ابْنَةِ ابْنَةٍ وَابْنَةَ ابْنِ ابْنِ ابْنَةٍ وَابْنَ ابْنَةِ ابْنِ ابْنَةٍ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْجَوَابُ ظَاهِرٌ كَمَا بَيَّنَّا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْتَبَرُ فِي الْقِسْمَةِ الْأَجْدَادُ أَوَّلًا وَاثْنَانِ مِنْهُمْ ذَكَرَانِ يَعْنِي أَنَّ ابْنَةَ ابْنِ ابْنِ الِابْنَةِ وَابْنَ ابْنَةِ ابْنِ ابْنَةٍ وَالْآخَرَانِ أُنْثَيَانِ فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ عَلَى سِتَّةٍ الثُّلُثَانِ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ لِهَذَيْنِ وَالثُّلُثُ لِلْآخَرَيْنِ، ثُمَّ مَا أَصَابَ الِابْنَتَيْنِ يُقْسَمُ عَلَى آبَائِهِمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أَثْلَاثًا.
وَأَمَّا نَصِيبُ الْآخَرَيْنِ يُقْسَمُ عَلَى الْآبَاءِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أَثْلَاثًا فَيَقْتَصِرُ عَلَى تِسْعَةٍ بَعْدَ الِاقْتِصَارِ كَمَا بَيَّنَّا، ثُمَّ يَجْمَعُ مَا أَصَابَ مَنْ اتَّفَقَتْ آبَاؤُهُمْ وَاخْتَلَفَتْ أَبْدَانُهُمْ فَيَقْسِمُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى الْأَبْدَانِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَيَتَيَسَّرُ التَّخْرِيجُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْفَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ كَمَا بَيَّنَّا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْآبَاءُ دُونَ الْأَجْدَادِ وَالْأَجْدَادُ دُونَ الْأَبْدَانِ فَصُورَةُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا تَرَكَ ابْنَةَ ابْنَةِ ابْنَةِ ابْنَةٍ وَابْنَيْ ابْنِ ابْنَةٍ وَابْنَةَ ابْنِ ابْنَةٍ وَابْنَةَ ابْنَةِ ابْنِ بِنْتٍ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقِسْمَةُ عَلَى الْأَبْدَانِ فَيَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا بِالسَّوِيَّةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْتَبَرُ أَوْلَادُ الْأَجْدَادِ فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ وَقَعَ بِهِ الْخِلَافُ الْأَجْدَادُ وَاثْنَانِ مِنْهُمْ أَجْدَادُهُمَا ذَكَرٌ يَعْنِي ابْنَةَ ابْنِ ابْنِ ابْنَةٍ وَابْنَةَ ابْنَةِ ابْنِ بِنْتٍ وَالْأُخْرَيَانِ أَجْدَادُهُمَا أُنْثَى فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ عَلَى سِتَّةٍ أَرْبَعَةٌ لِلْبَنِينَ أَجْدَادُهُمَا ذَكَرٌ وَسَهْمَانِ لِلْآخَرَيْنِ، ثُمَّ مَا أَصَابَ اللَّتَيْنِ أَجْدَادُهُمَا ذَكَرٌ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْآبَاءِ أَثْلَاثًا فَنَصِيبُ ابْنَةِ ابْنِ ابْنِ الِابْنَةِ ثُلُثَيْ الثَّلَاثِينَ وَالْأُخْرَى ثُلُثُ الثَّلَاثِينَ وَذَلِكَ الثُّلُثُ يُقْسَمُ بَيْنَ الْآخَرَيْنِ عَلَى الْآبَاءِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَنَصِيبُ ابْنَةِ ابْنَةِ ابْنَةِ الِابْنَةِ ثُلُثُ الثُّلُثِ وَالْأُخْرَى ثُلُثَا الثُّلُثِ، ثُمَّ مَا يُصِيبُ كُلَّ أَبٍ فَهُوَ مَنْقُولٌ إلَى وَلَدِهِ فَإِنَّ بَيْنَ الْأَبْدَانِ مُوَافَقَةً وَلَا حَاجَةَ إلَى قِسْمَةٍ أُخْرَى مَسْأَلَةٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ هِيَ أَلْطَفُ مَسَائِلِ الْبَابِ فَاعْتَبِرْهَا وَهِيَ ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ أَرْبَعَةٌ أَجْدَادُهُمْ أُنْثَى وَأَرْبَعَةٌ أَجْدَادُهُمْ ذَكَرٌ فَالْأَرْبَعَةُ الْأُولَى ابْنَةُ ابْنَةِ ابْنَةِ ابْنَةٍ وَابْنُ ابْنَةِ ابْنَةِ ابْنَةٍ وَابْنَةُ ابْنِ ابْنَةِ ابْنَةٍ وَابْنُ ابْنِ ابْنَةِ ابْنَةٍ وَالْأَرْبَعَةُ الَّذِينَ أَجْدَادُهُمْ ذَكَرٌ ابْنُ ابْنِ ابْنِ ابْنَةٍ وَابْنَةُ ابْنِ ابْنِ ابْنَةٍ وَابْنَةُ ابْنَةِ ابْنِ بِنْتٍ وَابْنُ ابْنَةِ ابْنِ ابْنَةٍ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ الْمَالُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا بِاعْتِبَارِ الْأَبْدَانِ.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَالْعِبْرَةُ لِلْأَجْدَادِ أَوَّلًا فِي الْقِسْمَةِ فَيَكُونُ الْمَالُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا ثَمَانِيَةٌ مِنْ ذَلِكَ نَصِيبُ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ أَجْدَادُهُمْ ذَكَرٌ وَأَرْبَعَةُ نَصِيبُ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ أَجْدَادُهُمْ أُنْثَى، ثُمَّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى الْآبَاءِ وَاثْنَانِ مِنْ الْآبَاءِ ذَكَرٌ يَعْنِي ابْنَةَ ابْنِ الِابْنَةِ وَابْنَ ابْنِ ابْنَةِ الِابْنَةِ وَابْنَ ابْنِ ابْنَةِ الِابْنَةِ وَاثْنَانِ أُنْثَى فَيُقْسَمُ هَذَا الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ثُلُثَاهُ، وَهُوَ تُسْعَا الْمَالِ لِلَّذَيْنِ أَبُوهُمَا ذَكَرٌ وَتُسْعُ الْمَالِ لَلْآخِرَتَيْنِ، ثُمَّ هَذَا التُّسْعُ يُقْسَمُ بَيْنَ ابْنَةِ ابْنَةِ ابْنَةِ ابْنَةِ الِابْنَةِ وَابْنِ ابْنَةِ ابْنَةِ الِابْنَةِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ عَلَى أَبْدَانِهِمَا فَيَكُونُ لِلْأُولَى ثُلُثُ التُّسْعِ وَلِلِابْنِ ثُلْثَا التُّسْعِ.
وَأَمَّا التُّسْعَانِ فَبَيْنَ ابْنَةِ ابْنِ ابْنَةِ الِابْنَةِ وَابْنِ ابْنِ ابْنَةِ الِابْنَةِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ عَلَى الْأَبْدَانِ لِلِابْنِ ثُلُثَا التُّسْعَيْنِ وَلِلِابْنَةِ الثُّلُثُ، ثُمَّ تَجِيءُ إلَى ثُلُثَيْ الْمَالِ فَتَقْسِمُ ذَلِكَ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ أَجْدَادُهُمْ ذَكَرٌ عَلَى الْآبَاءِ وَاثْنَانِ مِنْهُمْ ذَكَرَانِ يَعْنِي ابْنَ ابْنِ ابْنِ الِابْنَةِ وَابْنَةَ ابْنِ ابْنِ الِابْنَةِ وَالْآخَرَيْنِ يُدْلِيَانِ بِأُنْثَى يَعْنِي ابْنَةَ ابْنَةِ ابْنِ الِابْنَةِ وَابْنَ الِابْنَةِ فَيُقْسَمُ الثُّلُثَانِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ عَلَى الْأَبْدَانِ ثُلُثَا ذَلِكَ الثُّلُثَيْنِ لِلَّذَيْنِ أَجْدَادُهُمَا ذَكَرٌ وَثُلُثُ الثُّلُثَيْنِ لِلَّذَيْنِ أَجْدَادُهُمَا أُنْثَى، ثُمَّ يَقْسِمُ ثُلُثَ الثُّلُثَيْنِ عَلَى الْأَبْدَانِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ثُلُثَا ذَلِكَ الثُّلُثِ لِابْنِ ابْنَةِ ابْنِ الِابْنَةِ وَثُلُثُهُ لِابْنَةِ ابْنَةِ ابْنِ الِابْنَةِ وَالثُّلُثَانِ يُقْسَمُ كَذَلِكَ أَيْضًا فَإِذَا ضَرَبَ بَعْضَ هَذَا فِي بَعْضٍ بَلَغَ الْحِسَابُ مِائَةً وَثَمَانِيَةً وَبَيْنَ الْأَنْصِبَاءِ مُوَافَقَةٌ بِالرُّبُعِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الرُّبُعِ وَذَلِكَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ تِسْعَةٌ مِنْ ذَلِكَ لِلَّذِينَ أَجْدَادُهُمْ أُنْثَى، ثُمَّ سِتَّةٌ مِنْ هَذِهِ التِّسْعَةِ لِلَّذَيْنِ أَبُوهُمَا ذَكَرٌ وَثَلَاثَةٌ لِلَّذَيْنِ أَبُوهُمَا أُنْثَى، ثُمَّ تُقْسَمُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَبْدَانِ أَثْلَاثًا لِلذَّكَرِ سَهْمَانِ وَلِلْأُنْثَى سَهْمٌ.
وَكَذَلِكَ السِّتَّةُ تُقْسَمُ بَيْنَ الْآخَرَيْنِ عَلَى الْأَبْدَانِ لِلذَّكَرِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْأُنْثَى سَهْمَانِ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِلَّذِينَ أَجْدَادُهُمْ ذَكَرٌ تُقْسَمُ عَلَى الْآبَاءِ أَثْلَاثًا سِتَّةٌ لِلَّذَيْنِ يُدْلِيَانِ بِالْأُنْثَى، ثُمَّ تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى الْأَبْدَانِ لِلْأُنْثَى سَهْمَانِ وَلِلذَّكَرِ أَرْبَعَةٌ وَاثْنَا عَشَرَ حِصَّةُ اللَّذَيْنِ أَبُوهُمَا ذَكَرٌ تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى الْأَبْدَانِ لِلذَّكَرِ مِنْهُمَا ثَمَانِيَةٌ وَلِلْأُنْثَى أَرْبَعَةٌ فَمَا يَكُونُ مِنْ هَذَا النَّحْوِ تَخْرِيجُهُ هَذَا فَإِنْ كَانَ مَعَ الثَّمَانِيَةِ ابْنَةُ ابْنَةِ ابْنِ الِابْنِ فَالْمَالُ كُلُّهُ لَهَا؛ لِأَنَّهَا وَلَدُ صَاحِبَةِ فَرْضٍ فَإِنَّ ابْنَةَ ابْنِ الِابْنَةِ صَاحِبَةُ فَرْضٍ، وَعِنْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الدَّرَجَةِ وَلَدُ صَاحِبِ الْفَرْضِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ ابْنَةُ ابْنِ ابْنِ الِابْنِ فَلَا شَيْءَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ وَلَدَ صَاحِبِ فَرْضٍ فَهِيَ أَبْعَدُ بِدَرَجَةِ وَالْبُعْدَى مَحْجُوبَةٌ بِالْقُرْبَى، وَإِنْ كَانَتْ وَلَدَ صَاحِبَةِ فَرْضٍ أَوْ عَصَبَةٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْكُلّ ابْنَةُ ابْنَةِ ابْنَةٍ فَهِيَ أَوْلَى بِجَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ بِدَرَجَةٍ مِنْ جَمِيعِ مَنْ سَمَّيْنَا، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا ذَكَرٌ يَعْنِي ابْنَ ابْنَةِ الِابْنَةِ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَا شَيْءَ لِمَنْ سِوَاهُمَا، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ بِدَرَجَةٍ، وَهُوَ ابْنَةُ الِابْنَةِ فَالْمَالُ كُلُّهُ لَهَا، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا ذَكَرٌ فِي دَرَجَتِهَا، وَهُوَ ابْنُ الِابْنَةِ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ هَذَا كُلُّهُ بَيَانُ أَهْلِ الْقَرَابَةِ فَأَمَّا بَيَانُ قَوْلِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ نَقُولُ إذَا تَرَكَ ابْنَةَ ابْنَةِ ابْنَةٍ وَابْنَ ابْنَةِ ابْنَةٍ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ أَوْ مِنْ أُمَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي نُعَيْمٍ وَشَرِيكٍ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ إنْ كَانَا مِنْ أُمَّيْنِ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَا مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأُصُولِ كُلَّ فَرْعٍ يَقُومُ مَقَامَ أَصْلِهِ فَكَأَنَّهُمَا ابْنَتَانِ لِلْمَيِّتِ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ.
وَأَمَّا إذَا اتَّحَدَ الْأَصْلُ فَلَا يُمْكِنُ الْقِسْمَةُ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُقَاسِمُ نَفْسَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْفَرْعَيْنِ فِي الْقِسْمَةِ فَيَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَجْهُ قَوْلِ عُبَيْدٍ أَنَّ كُلَّ فَرْعٍ قَائِمٌ مَقَامَ أَصْلِهِ فَتَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ أَوْ مِنْ أُمَّيْنِ فَبِاعْتِبَارِ تَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ تَكُونُ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَهَذَا لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا فِي الْمُدْلَى بِهِ، وَهُوَ التَّبْنِيَةُ، وَفِي هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا مِنْ أُمَّيْنِ أَوْ مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ.
وَلَوْ تَرَكَ ابْنَةَ ابْنَةٍ وَابْنَيْ ابْنَةٍ أُخْرَى فَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ الْمَالُ بَيْنَهُنَّ أَثْلَاثًا وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ الْقِسْمَةُ نِصْفَانِ نِصْفٌ لِابْنَةِ الِابْنَةِ وَنِصْفٌ لِابْنَيْ الِابْنَةِ نِصْفَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الِابْنَتَيْنِ لِلْمَيِّتِ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى فَرْعِ كُلِّ أَصْلٍ نَصِيبُ ذَلِكَ الْأَصْلِ وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ ابْنَةَ ابْنَةٍ وَعَشْرَ بَنَاتِ ابْنَةِ ابْنَةٍ فَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ الْمَالُ بَيْنَهُنَّ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ عَلَى عِشْرِينَ سَهْمًا لِبَنَاتِ الِابْنَةِ عَشْرَةٌ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سَهْمٌ فَإِنْ تَرَكَ ابْنَةَ ابْنَةٍ وَبِنْتَيْ ابْنَةٍ أُخْرَى وَثَلَاثَ بَنَاتِ ابْنَةٍ أُخْرَى فَعِنْدَنَا الْمَالُ بَيْنَهُنَّ أَسْدَاسًا بِالسَّوِيَّةِ، وَعِنْدَ أَهْلِ التَّنْزِيلِ الْمَالُ بَيْنَهُنَّ أَثْلَاثًا ثُلُثٌ لِابْنَةِ الِابْنَةِ وَثُلُثَانِ لِابْنَتَيْ الِابْنَةِ نِصْفَانِ وَثُلُثٌ بَيْنَ ثَلَاثِ بَنَاتِ الِابْنَةِ أَثْلَاثًا بِالسَّوِيَّةِ فَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ بَنِي ابْنِ ابْنِ ابْنَةٍ وَابْنَ ابْنِ ابْنَةٍ أُخْرَى وَابْنَ ابْنِ أُخْرَى لِهَذِهِ الِابْنَةِ فَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ الْمَالُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ أَسْدَاسًا وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ نِصْفُ الْمَالِ لِثَلَاثَةِ بَنِي ابْنِ الْبِنْتِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ ابْنَيْ ابْنِ الِابْنَةِ الْأُخْرَى وَابْنِ ابْنِهَا نِصْفَيْنِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ ابْنَانِ فَيَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى أَوْلَادِهِمَا فَالنِّصْفُ لِلثَّلَاثَةِ وَالنِّصْفُ لِلْفَرِيقَيْنِ الْآخَرَيْنِ نِصْفُ ذَلِكَ لِابْنَيْ ابْنِهَا وَنِصْفُهُ لِابْنِ ابْنِهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُومُ مَقَامَ مَنْ يُدْلِي بِهِ إلَيْهَا فِي نَصِيبِهَا مِنْ الْمِيرَاثِ.
فَإِنْ تَرَكَ ابْنَةَ ابْنَةِ ابْنَةٍ وَابْنَةَ ابْنَةٍ أُخْرَى فَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ الْمَالُ كُلُّهُ لِابْنَةِ الِابْنَةِ.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ فَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ أَنَّ الْمَالَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ الْأَقْرَبَ إنَّمَا يَتَرَجَّحُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ فَأَمَّا عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ، وَقَدْ اتَّحَدَتْ الْجِهَةُ هُنَا وَهِيَ الْوَلَاءُ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الرَّحِمِ.
فَإِنْ تَرَكَ ابْنَةَ ابْنَةٍ وَابْنَةَ ابْنَةِ ابْنٍ فَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ الْمَالُ كُلُّهُ لِابْنَةِ الِابْنَةِ وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ أَنَّ الْمَالَ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِابْنَةِ الِابْنَةِ وَالرُّبْعُ لِابْنَةِ الْأُخْرَى عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ عَلِيٍّ فِي الرَّدِّ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الرَّدِّ الْمَالُ كُلُّهُ بَيْنَهُمَا أَسْدَاسًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمُدْلَى بِهِ مِنْ صَاحِبِ فَرِيضَةٍ وَإِحْدَاهُمَا وَلَدُ الِابْنَةِ فَتَنْزِلُ مَنْزِلَتَهَا وَالْأُخْرَى وَلَدُ ابْنَةِ الِابْنِ فَتَنْزِلُ مَنْزِلَتَهَا وَلَوْ تَرَكَ ابْنَةً وَابْنَةَ ابْنٍ كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ عَلِيٍّ فِي الرَّدِّ وَأَسْدَاسًا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى وَلَدِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حِصَّتُهَا مِنْ ذَلِكَ أَوْ يُقَامُ الْمُدْلِي مَقَامَ الْمُدْلَى بِهِ.
فَإِنْ تَرَكَ ابْنَةَ ابْنٍ وَابْنَ ابْنَةٍ أُمُّهُمَا وَاحِدَةٌ وَتَرَكَ أَيْضًا ابْنَةَ ابْنَةِ ابْنٍ وَابْنَ ابْنَةِ ابْنٍ أُمُّهُمَا وَاحِدَةٌ فَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ الْمَالُ بَيْنَ ابْنَةِ ابْنَةِ الِابْنِ وَابْنِ ابْنَةِ الِابْنِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ بِدَرَجَةٍ وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ يَكُونُ الْمَالُ بَيْنَ هَاتَيْنِ وَبَيْنَ الْآخَرَيْنِ أَرْبَاعًا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ عَلِيٍّ فِي الرَّدِّ وَأَسْدَاسًا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الرَّدِّ كَمَا بَيَّنَّا، ثُمَّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ الَّذِي هُوَ نَصِيبُ وَلَدَيْ الِابْنَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي نُعَيْمٍ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْأُمَّ إذَا كَانَتْ وَاحِدَةً عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ يُعْتَبَرُ فِي الْقِسْمَةِ الْأَبْدَانُ، وَعِنْدَ أَبِي عُبَيْدٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا لِأُمٍّ وَاحِدَةٍ أَوْ لَا يَكُونَا فِي أَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى الْمُدْلَى بِهِ.
وَكَذَلِكَ الرُّبُعُ الَّذِي أَصَابَ الْآخَرَيْنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي نُعَيْمٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ بَنِي ابْنَ بِنْتِ وَابْنَ ابْنِ ابْنَةٍ وَابْنَيْ ابْنَةِ ابْنَةٍ فَنَقُولُ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ الْمَالُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ أَسْدَاسًا.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يُقْسَمُ عَلَى الْآبَاءِ أَوَّلًا لِابْنَيْ ابْنَةِ الِابْنَةِ سَهْمَانِ وَلِلْأَرْبَعَةِ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ فَإِنَّ أَبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذَكَرٌ وَلِكُلِّ ذَكَرٍ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ أُنْثَى سَهْمٌ فَيَكُونُ لِابْنَيْ ابْنَةِ الِابْنَةِ فِي الْحَاصِلِ خُمُسُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ بَيْنَ عَشَرَةٍ.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِهِمْ أَنَّ الْمَالَ بَيْنَ الْفِرَقِ أَثْلَاثًا ثُلُثُهُ لِبَنِي ابْنِ الِابْنَةِ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا وَثُلُثُهُ لِابْنَيْ ابْنَةِ الِابْنَةِ وَثُلُثُهُ لِابْنِ ابْنِ الِابْنَةِ اعْتِبَارًا بِالْمُدْلَى بِهِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَرَكَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمَالُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ نِصْفَيْنِ وَلَا شَيْءَ لِابْنَيْ ابْنَةِ الِابْنَةِ؛ لِأَنَّ بَنِي ابْنِ الِابْنَةِ هُمْ وَرَثَةُ الْجَدَّةِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمَيِّتَةَ كَانُوا يَرِثُونَهَا بِالْعَصَبَةِ، فَأَمَّا ابْنَتَا ابْنَةِ الِابْنَةِ فَلَيْسَتَا بِوَارِثَتَيْنِ لِلْجَدَّةِ حَتَّى لَا يَرِثَا بِأَنَّهَا لِعُصُوبَةٍ فَكَمَا أَنَّ الْفَرِيقَيْنِ الْآخَرَيْنِ يَحْجُبَانِ ابْنَيْ ابْنَةِ الِابْنَةِ عَنْ مِيرَاثِ الْجَدَّةِ فَكَذَلِكَ عَنْ مِيرَاثِ مَنْ يَسْتَحِقُّ مِيرَاثَهُ بِالْإِدْلَاءِ بِالْجَدَّةِ، ثُمَّ يَكُونُ الْمَالُ عِنْدَهُمْ عَلَى سِتَّةٍ ثَلَاثَةٌ لِابْنِ ابْنِ الِابْنَةِ وَثَلَاثَةٌ لِبَنِي ابْنِ الِابْنَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَقُومُ مَقَامَ الْمُدْلَى بِهِ فَكَأَنَّهُمَا اثْنَانِ يُقْسَمُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ نَصِيبُ كُلِّ ابْنٍ إلَى وَلَدِهِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ.
فَإِنْ تَرَكَ ابْنَةَ ابْنَةِ ابْنٍ وَابْنَ ابْنِ ابْنَةٍ فَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ الْمَالُ كُلُّهُ لِابْنَةِ ابْنَةِ الِابْنِ؛ لِأَنَّهَا وَلَدُ صَاحِبِ فَرِيضَةٍ، وَعِنْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الدَّرَجَةِ وَلَدُ صَاحِبِ الْفَرِيضَةِ أَوْلَى وَعَلَى قَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ الْمَالُ كُلُّهُ لِابْنِ ابْنِ الِابْنَةِ فَإِنَّهُ وَارِثُ الْجَدَّةِ دُونَ مَنْ سِوَاهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ عِنْدَهُمْ يَقَعُ التَّرْجِيحُ بِهَذَا، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ الْمَالُ بَيْنَ ابْنَةِ ابْنَةِ الِابْنِ وَابْنِ ابْنِ الِابْنَةِ أَرْبَاعًا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ عَلِيٍّ فِي الرَّدِّ وَأَسْدَاسًا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الرَّدِّ؛ لِأَنَّ ابْنَةَ ابْنَةِ الِابْنَةِ وَابْنَ ابْنَةِ الِابْنَةِ صَارَا مَحْجُوبَيْنِ بِابْنِ ابْنِ الِابْنَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ وَارِثُ الْجَدَّةِ دُونَهُمَا بَقِيَ ابْنَةُ ابْنَةِ الِابْنِ وَابْنُ ابْنِ الِابْنَةِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُومُ مَقَامَ مِنْ يُدْلِي بِهِ مِنْ صَاحِبِ فَرِيضَةٍ، وَابْنُ ابْنِ الِابْنَةِ بِمَنْزِلَةِ الِابْنَةِ وَابْنَةُ ابْنَةِ الِابْنِ بِمَنْزِلَةِ ابْنَةِ الِابْنِ فَيَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ عَلِيٍّ فِي الرَّدِّ وَأَسْدَاسًا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الرَّدِّ، وَهَذَا طَرِيقُ التَّخْرِيجِ فِي هَذَا الْجِنْسِ مِنْ الْمَسَائِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.